.

.
الأحد، 5 يوليو 2015

سلسلة التوحيد م2 ماهية الدين و دوره في الحياة؟ لماذا نبحث عن وجود الله ؟

سلسلة التوحيد _ 1 / م2
تحقيق : غازي الجبوري


اولا : ما هو الدين ؟ وما دوره في الحياة ؟  (كتاب الالاهيات جعفر السبحاني ج1 )
 - هو ثورة فكرية تقود الانسان الى الترقي والكمال في جميع المجالات  ، وما هذه المجالات الا ابعاده الاربعة وهي : 

١- تقويم الافكار والعقائد وتهذيبها  عن الاوهام والخرافات
٢- تنمية الاصول الاخلاقية
٣- تحسين العلاقات الاجتماعية
٤- الغاء الفوارق القومية والعنصرية 

واليك الايضاح :- 

١ تقويم الافكار والعقائد :  ان الدين يفسر واقع الكون وجميع الانظمة المادية على انها ابداع  موجود عال ( الله )  قام بخلق المادة وتصويرها وتحديدها بقوانين وحدود  وقد اخضعه لنظام غاية في الدقة 
كما انه يفسر الحياة الانسانية بانها لم تظهر على صفحات الكون عبثا ولم يخلق الانسان سدى بل لتكونه في هذا الكوكب غاية عليا  يصل اليها في ظل تعاليم  الانبياء والهداة المبعوثين من جانب الخالق لهداية مخلوقه .
اما تفسير المادي للكون فانه مهما اختلفت النظريات على مر الازمان فيبقى الاساس في ذهن المادي ( عقيدته ان صح التعبير ) هو : ان المادة  الاولى قديمة بالذات وهي التي قامت فاعطت لنفسها نظما  وانه لا غاية لها ولا للانسان القاطن فيها . 

في الواقع لم تزل الاسئلة الثلاثة تجول في ذهن الانسان منذ ان خُلق وهي 
من اين ؟ 
الى اين ؟  
ولماذا خُلق ؟ 
وهذه الاسئلة يجيب عنها الالهي باجوبة رصينة ستتضح خلال هذه السلسلة البحثية واجمالها ان البداية من الله والنهاية الى الله في يوم القيامة  كما في قوله تعالى ( انا لله وانا اليه راجعون )   وان الغاية هي التخلق بالقيم  والمثل الاخلاقية والالتزام بالشرائع السماوية لاعمار الارض .
  ان عدم الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى يؤدي الى انجراف الفكر الى الخرفاات فتبدأ نظريات  تافهه فكيف  يمكن للمادة ان تمنح نفسها نظما  ، وهل يمكن ان تتحد العلة والمعلول والجاعل والمجعول ؟ 
-----
٢ تنمية الاصول الاخلاقية :  ان الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى وان  في اجراء كل اصل من الاصول الاخلاقية اجرا كبيرا يصل اليه الانسان في الحياة الاخروية ، خير عامل لتحبيذ الانسان وتشويقه على  اجراءها والتلبس بها في حياته الدنيوية ، ولولا ذلك الاعتقاد لاصبحت الاخلاق نصائح وعضات جافة لا ضمان لاجراءها 
وفي ذلك يقول المؤرخ  الشهير ويل ديوارانت في كتابه لذائذ الفلسفة ص٤٧٨ : (  لولا الدين لتجلت الاخلاق  وكأنها  اشبه بالمبادلات الاقتصادية ، ولصارت الغاية منها النجاح الدنيوي بحيث لو كان النجاح والفوز مضادا للقيم لتمايل عنها ،    لكون الغاية في جانب اللاقيم ، ولكن هي العقيدة الدينية التي تترك الاحساس بالمسؤلية في روح الانسان  ) 
----
٣  تحسين العلاقات الاجتماعية :  فهي كدعمها للاصول الاخلاقية فان العقيدة الدينية   تساند الاصول الاجتماعية  لانها تصبح عند المتدين  تكاليف لازمة  ويكون الانسان بنفسه مقودا الى العمل والاجراء ، قال تعالى انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، قال  امير المؤمنين : خالطو الناس مخالطة ان متم معها بكو عليكم وان عشتم حنو اليكم  ، غير ان العلاقات الاجتماعية بين غير المتدينين لا تخلو من ان تكون قائمة على المصالح المشتركة الدنيوية فحسب وعندئذ لا تتمتع الاصول الاجتماعية بضمان تنفيذي وهذا مشهود لمن  لاحظ حياة الامم المادية وما هم عليه من تشتت في العوائل ومشاكل  في المجتمع 
----
٤ الغاء الفوارق العنصرية والطبقية :  ان الدين يعتبر البشر كلهم مخلوقين لمبدأ واحد ، فالكل   بالنسبة اليه  حسب الذات والجوهر كاسنان المشط  ولا يرى اي معنى للتمييز والتفريق ولا يرى اي معنى لرفع فئة وخفض اخرى بسبب قوميتها او عرقها وهذا عل العكس من الدول التي لا تسود فيها الاحكام الدينية والتي تظهر فيها الطبقية في ابشع صورها فهم كمثال  يحترمون الابيض ويهينون الاسود يحترمون الغني ويهينون الفقير وغير ذلك 
--- 
فهذه هي المجالات الاربعة التي للدين فيها  دور وتأثير واضح ، افيصح بعد ذلك ان نهمل البحث عنه ؟    
---
ملاحظة هامة : ليست كل عقيدة تتسم باسم الدين قادرة على خلق هذه الاثار وابداعها ، وانما تقدر عليها كل عقيدة دينية قائمة على اساس العقل وتكون واصلة الينا عن طريق الانبياء ففي مثل تلك العقيدة نجد الحركة والحياة ، وفي غيرها يصبح الدين عقائد خرافية تطغي عليها الرهبانية  وعلى  المفكر المنصف ان يميز بين الدين الالهي والدين الارضي المخترع 
  -------------------------------------
ثانيا : لماذا نبحث عن وجود الله ؟ (كتاب الالاهيات جعفر السبحاني ج2 )

- قبل ان نشرع في البحث عن ادلة وجود الله سبحانه وتعالى لابد  من الاجابة على سؤال طالما طرحه الماديين والماركسيين وهو لماذا نبحث عن الله ؟ 
وحصيلة السؤال ان البحث عن ما وراء الطبيعة بحث لا صلة له  بالحياة  اليومية ولو اثبت بالف دليل ،،، فصرف الوقت في هذه المباحث يعوق الشباب عن القيام بوظائفه اللازمة 
والاجابة على هذا السؤال واضحة بعد الاطلاع على ما ذكرناه من الجوانب الاربعة المهمة في هذه الحياة 
اضافة الى ذلك هو دفع الضرر المحتمل : والمقصود فيه هو ان هنالك  عاملا روحيا يحفزنا على البحث عن هذه الامور الخارجة عن الطبيعة والمادة ،  وهو ان هنالك مجموعة كبيرة من رجالات الاصلاح والاخلاق ممن فدو انفسهم في طريق اصلاح المجتمع   وتهذيبه ، توالوا على مدى القرون ودعو المجتمعات البشرية الى الاعتقاد  بالله سبحانه وتعالى وصفاته الكمالية ،  وادعو ان له تكاليف فرضها على عباده ووظائف وضعها لهم ، وان الحياة لا تنقطع بالموت  وانما هو جسر يعبر به الانسان من دار الى دار ، من حياة ناقصة الى حياة كاملة ،  وان من قام بتكاليفه ووظائفه فله الجزاء الاوفى ( الجنة) ، واما من خالف واستكبر فله  النكاية الكبرى ( النار ) 

ومن الجدير بالذكر  مناظرات الامام الصادق (عليه السلام ) في هذا الشأن 
 فمن تلك المناظرات أنه كان يوما هو وعبد الله بن المقفّع في المسجد الحرام فقال ابن المقفّع : ترون هذا الخلق ـ وأومأ بيده الى موضع الطواف ـ ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانيّة إلاّ ذلك الشيخ الجالس ـ يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌ السلام ـ وأما الباقون فرعاع وبهائم ، فقال له ابن أبي العوجاء : وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء ، فقال : لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم ، فقال ابن أبي العوجاء : لا بدّ من اختبار ما قلت فيه منه ، فقال له ابن المقفّع : لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك ، فقال : ليس ذا رأيك لكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إيّاه هذا المحلّ الذي وصفت ، فقال ابن المقفّع : أمّا اذا توسّمت عليّ فقم إليه وتحفّظ من الزلل ولا تثن عنانك الى استرسال فيسلمك الى عقال ، وسمة ما لك وعليك ، فقام ابن أبي العوجاء فلمّا رجع قال : ويلك يا ابن المقفّع ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد اذا شاء ظاهرا ويتروّح اذا شاء باطنا فهو هذا ، فقال له : كيف ذلك ؟ فقال : جلست إليه فلمّا لم يبق عنده أحد غيري ابتدأني فقال : إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر كما تقولون ، وليس كما تقولون ، فقد استويتم وهم ، فقلت : يرحمك الله وأيّ شيء نقول وأيّ شيء يقولون ، ما قولي وقولهم إلاّ واحد ، فقال : وكيف يكون قولك وقولهم واحدا ، وهم يقولون إن لهم معادا وثوابا وعقابا ، ويدينون بأن للسماء إلها وأنها عمران ، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد ، قال : فاغتنمتها منه فقلت له : ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه يدعوهم الى عبادته حتّى لا يختلف فيه اثنان ؟ لم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب الى الإيمان به ، فقال لي : ويلك كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك ؟ نشوّك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوّتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوّتك ، وسقمك بعد صحتك ، وصحتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد إنابتك ، وإنابتك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهتك ، وكراهتك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورجاءك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك لما لم يكن في وهمك ، وغروب  ما أنت معتقده عن ذهنك وما زال يعدّ عليّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها ، حتّى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه .
الكافي : كتاب التوحيد منه ، باب حدوث العالم وإثبات المحدث.

هذا ما سمعته اذان اهل الدنيا عن رجالات الوحي  والاصلاح  الذين كانو مشهورين بالصدق خلال حياتهم وافعالهم واذكارهم ، عند ذلك يدفع العقل الانسان المفكر الى البحث للتحقق من صحة قولهم دفعا للضرر المظنون او المحتمل الذي يورثه  مقالة هؤلاء ، 
وهذا ما اعتمد عليه علماء الكلام في لزوم البحث عن  معرفة الله سبحانه وتعالى . 
فاوجوبوا هذا البحث دفعا لذلك الضرر المحتمل 
  ومن جانب اخر فان الانسان في هذه الحياة لا شك في انه غارق في النعم  فهي تحيط به منذ نعومة اظفاره الى نهاية حياته وهذا الامر مما لا يمكن لاحد انكاره ،،، وان العقل يستلزم شكر المنعم ،،، وشكر المنعم يستلزم معرفته اولا ،،،  فالتعرف عليه من خلال البحث اجابة لهتاف العقل في شكر من انعم عليه .
هذه الوجوه الثلاثة 
١-دور الدين في الحياة
٢-دفع الضرر المحتمل 
٣-وجوب شكر المنعم 
تحفز الانسان  على البحث لمعرفة الله سبحانه وتعالى  والاهتمام بها اكثر من الاهتمام بما هو دخيل عليه في حياته المادية ،،، وان تاريخ البشرية  على مر العصور يثبت ذلك 
ملاحظة هامة : لا شك ان معرفة الله والاعتقاد به لا ينفك عن الالتزام بحدود وقيود  في الحياة الاجتماعية كمراعاة الاصول الاخلاقية  وفي الحياة الفردية كتجنب المنكرات والقيام بالوظائف الدينية وكل ذلك ينافي الحرية المطلقة  والاباحية التي يتوخاها الماديون  فانكار الدين والمبدأ ليس انكارا بذاته بل الفرار من ما يترتب   عليه من الضمانات والالتزامات  والقيود والحدود 
وهي تخالف هوى الانسان الاباحي الذي لا يرى اصلا في الحياة الا اللذة .

اعلان 1
اعلان 2
عربي باي