سلسلة : فلسفة العقيدة – براهيين اثبات وجود الله
البحث : البرهان الاول – برهان الامكان والوجوب
تحقيق : حسن هادي الموسوي
ان البراهين الدالة على وجود خالق لهذا الكون
ومفيض لهذه الحياة كثيرة ومتعددة لعل واحد من اهمها في الفلسفة الاسلامية هو برهان
الامكان والوجوب ويسمى ايضا ببرهان المواد الثلاثة, ويقصد بالمواد الثلاثة :
الوجوب والامكان والعدم .
يتم تقرير هذا البرهان على بيان عدة امور
مهمة :
1- يقسم الموجود الى واجب وممكن والواجب هو
الموجود بذاته ويكون وجوده ضروي ويتحقق في الوجود الخارجي , او يكون هذا الموجود
متساوي النسبة من حيث الوجود والعدم , اي اما ان يكون موجودا او معدوما في الوجود
الخارجي وهذا هو الموجود الممكن .
2-
كل ممكن يحتاج الى علة في وجوده .
3-
مسألة الدور ممتنعة , ويقصد بالدور كون الشيء
(فالنفرض س ) هو موجد لشيء ثاني (فالنفرض ص ) في الوقت نفسه يكون (ص) ايضا موجدا
لـ (س) , ولتبسيط هذه المسألة بالمثال التالي : فالنفرض ان صديقين اتفقا على امضاء
وثيقة واشترط كل واحد منهما لامضائها امضاء الاخر ففي هذه الحالة توقف امضاء كل
على امضاء الاخر وعند ذلك لن تمضى اي وثيقة مطلقا .
4- التسلسل محال : ويقصد بالتسلسل تسلسل العلل الى مالانهائية بان يتوقف علة
(1) على (2) وهكذا على (3) ثم على (4) وهكذا دون نهاية , ان استحالة التسلسل ياتي
من سوال مهم وهو ان في هذه السلسلة من العلل ماهي العلة الاولى التي اخرجتها من
العدم (اخرجت سلسلة العلل ) الى عالم الوجود ؟ فيكون من البديهي ان الموجد لسلسلة
العلل هو الموجود بذاته غير المحتاج الى علة في وجوده .
وهذه الامور الاربعة هي المقدمات لبرهنة
البرهان كما يلي :
ان الوجود الذي نحن كبشر وكذلك بقية
الموجودات من الحيوانات والنباتات والكون كله تعتبر موجودات ممكنة والدليل انه تعيش ثم تفنى ومن هنا ان وجودنا ( نحن الموجودات الممكنة )
لايخلو من الفروض الاتية :
1-
لا علة لوجودنا ! : وهذا باطل حسب البرهان
بدليل ( المقدمة الثانية اعلاه ان كل ممكن يحتاج علة ) اي اذا كنا موجودات ممكنة
تفتقر الى الوجود بذاتها فهي بحاجة الى موجود واجب الوجود بذاته يمنحها صفة الوجود
وقادر على سلبها منها .
2-
ان نكون نحن الموجودات الممكنة علة لبعضنا
البعض ! : وهذا ايضا باطل بدليل المقدمة الثالثة ( مسألة الدور ) ففاقد الشيء
لايعطيه , الموجودات الممكنة تفتقر الى منح ذاتها الوجود فكيف تعطيه للممكن اخر ؟.
3-
ان نتسلسل بالعلل الى مالانهائية وهذا ممتنع
ايضا كما هو موضح بمقدمة استحالة التسلسل.
4- انه وراء كل هذه الموجودات الممكنة علة ليست بمعلولة تمنح الممكنة الوجود
وقادرة على سلبه وهذه العلة هي علة واجبة الوجود وموجودة بذتها غير مفتقرة الى
غيرها كما في الموجودات الممكنة .
ومن هنا يتضح ان كل الممكنات تفتقر الى موجد
لها ذلك المُوجد واجب الوجود بذاته غني عن كل الموجودات قادر على منح الوجود لكل
ممكن وقادر على سلبه كذلك وذلك الموجود الواجب الوجود بذاته هو الله .
ولهذا البرهان اشارات متعددة في القرآن
الكريم منها :
في سورة فاطر : ) يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ
جَدِيدٍ (16) وَمَا
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيز (17)
) .
وكذلك
قوله في سورة النجم : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) ) .
وقوله
في سورة الطور : (أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لّا يُوقِنُونَ(36)) اشارة الى ان
الممكن ومنه الانسان لايتحقق الا بعلة ولاتكون علته نفسه , والى ان الممكن لايصح
ان يكون خالقا للمكن اخر ففاقد الشيء لايعطيه .
ان
هذا البرهان ايضا يطلق عليه ببرهان المواد الثلاثة التي ذكرت مسبقا والمقصود بها :
الوجوب
والامكان والعدم , فالواجب ماكان وجوده
ضروريا والممتنع ماكان عدمه (عدم وجوده) ضروري والممكن ماكان وجوده ليس ضروري وعدم
وجوده ليس ضروري اي انه ( الممكن ) يفتقر الى من يُوجده , وهذا التقسيم هو تقسيم
عقلي لانه دائر بين الاثبات والنفي وهذا التقسيم يرتبط ارتباطا اساسيا باهم عقيدة
في الاسلام وهي عقيدة التوحيد التي تقوم على :
1-
الايمان بوجود الله وانه واجب الوجود .
2-
الايمان بوحدانية الله بمعنى ان الله واحد لاشريك له ,
وهو يعني الايمان بضرورة عدم وجود شريك له في ألوهيته , اي ان وجود شريك لله ممتنع
.
3-
الايمان بان الكون ومافيه من موجودات ممكنة هي مخلوقات
لله , فمنه بدأت وبه تستمر.
المصادر :
1-
الشيخ جعفر السبحاني – محاضرات في الالهيات ص 37- 40
2-
الشيخ عبد الهادي الفضلي – خلاصة الحكمة الالهية ص
115-117
الاطلاع على فديو للفيلسوف الاسلامي سيد حسين نصر
من خلال الرابط : 