.

.
الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

التطبير و الضرب بالسلاسل ( الزنجيل )

صفاء البدري


مال القصد من التطبير و الضرب بالسلاسل ( الزنجيل ) ؟ 
إنّ هؤلاء الذين يفعلون مثل هذه الأمور يختلفون في نواياهم، فقسم لشدّة حزنه وتفاعله مع المصيبة ينفعل بالمقدار الذي يؤذي به جسده، كما هو الحال عند الجازع على أيّة مصيبة أُخرى، فأنت لا تستطيع أن تتكلّم مع هذا الجازع، وتقول له: لماذا تفعل بنفسك هكذا؟ لأنّه قد تكون تلك الأفعال أشبه بالأفعال اللا إرادية.
نعم، أنت تستطيع أن تبيّن له أنّ جزعه هذا على مصائبه الدنيوية غير صحيح، فإذا خرج من حالة الجزع توقّف عن تلك الأفعال..
وكذلك مع مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام)، إلاّ أنّ الفرق هنا أنّك لا تستطيع أن تقول له: لا تجزع لهذه المصيبة؛ لأنّ الجزع هنا غير مكروه، وإذا حصلت حالة الجزع فما عليك إلاّ أن ترى آثار ذلك الجزع، كاللطم والبكاء والعويل، والضرب بالسلاسل، والتطبير، وغيرها من الأمور المؤذية للجسد، التي هي آثار لذلك الجزع.
وقسم آخر ينظر إلى التطبير والضرب بالسلاسل واللطم بأنّه حالة من المواساة لإظهار الاستعداد والولاء للحسين(عليه السلام) من خلال تحمل المشاقّ والآلام والمتاعب، وفرق كبير بين من يظهر الولاء بالكلام مثلاً، وبين من يظهر الولاء بأُمور صعبة على النفس ومؤذية، فتحمّل هذه الصعاب معناه: صدق الولاء وصدق الاستعداد.
ولعلّ قسماً ثالثاً ينظر لهذه الأُمور على أنّها وسيلة للإبكاء وإثارة المشاعر.
ثمّ إنّه لا يضرّ هذه الأُمور أن تكون غير موجودة في عصر الأئمّة(عليهم السلام) بعد كونها من مظاهر الجزع الجائز في الشريعة، فاختلاف مظاهر الجزع من عصر إلى عصر، وجواز ذلك الجزع لا يعني أنّه ليس لها مشروعية، بل مشروعيتها من مشروعية جواز ذلك الجزع، أو قل: ما دامت تلك الأًمور من مظاهر الإبكاء، والإبكاء على الحسين(عليه السلام) محبّذ بالشريعة، ووردت فيه نصوص، فدخلت تلك الأُمور تحت ذلك العنوان، أو قل: أنّها أصبحت من شعائر الله، وتعظيم شعائر الله جائز ومحبّذ في الشريعة.

الاصل في الاعمال الاباحة : 
الفقهاء لا يتوصّلون إلى الحكم الشرعي فقط عن طريق الروايات، بل لو لم يكن لفعل من الأفعال أيّة رواية فإنّهم يستطيعون الحكم على تلك الأفعال بالجواز وعدم الجواز، بل بالوجوب، أو الاستحباب، أو الكراهة، أو الإباحة، أو الحرمة.
فلو لم يرد عندنا دليل من السنّة على التطبير أو الضرب بالسلاسل، فهل معناه أنّ هذا الفعل حرام؟!
كلاّ إنّ الفقهاء لا يقولون بذلك، بل على العكس من ذلك يقولون: إنّ الأصل في الأشياء: الإباحة والجواز، لا الحرمة.
ثمّ إنّ تعظيم الشعائر يكون بطرق مختلفة، فنحن كما نشجّع على مجالس الوعظ والإرشاد، فإنّنا أيضاً لا بدّ من أن نحافظ على الشعائر الحسينية، وعلى ديمومتها وانتشارها، لِما في ذلك من رفعة للدين الحقّ، ونصرة للمذهب، ولا مجال في الأحكام الشرعية للاستحسانات، وإنّما تخضع للقواعد المقنّنة في علم الأُصول.
ثمّ إنّ الأحكام لم ترد كلّها بصورة جزئية حتّى نطالب بالروايات الخاصّة، وإنّما قسم من الأحكام جاء على شكل قواعد كلّية، وعلى الفقيه أن يفرّع عليها الفروع والجزئيات؛ فلاحظ!
إنّ البحث في الضرب بالسلاسل والتطبير يكون من جهتين:
1- من جهة الحلّية والحرمة، وهذا مبحوث عند العلماء، وقد أفتوا بالجواز، وأنّ الحكم الأوّلي هو الحلّية، وإن حكم بعضهم بعدم الجواز بالحكم الثانوي.
2- من جهة مناسبته الآن في هذا العصر للوضع العام للشيعة، وهذه الجهة هي مورد الأخذ والردّ في هذا الوقت. وللكلام فيها مجال بين المؤيّد والمخالف.

لماذا لا يمارس العلماء و المراجع التطبير و الضرب بالسلاسل بينما يحثون الناس على فعل ذلك
ما يقوله الفقهاء تجاه هذه الأعمال هو: القول بإباحة تلك الأعمال، وبعض يقول باستحبابها من جهة دخولها في شعائر الله، والأعمال المباحة والمستحبّة غير ملزم المكلّف بالعمل بها، بل قد يرى بعض المكلّفين أنّ هناك عملاً أكثر ثواباً، فلذا يقدّمونه على تلك الأعمال، وهذا يرجع إلى تشخيص ذلك المكلّف؛ فقد يرى بعض العلماء أنّ الاشتغال بالوعظ والإرشاد والبكاء والإبكاء ذو ثواب عظيم، كما ورد في الأخبار، ولذا يرى الاشتغال به مقدّم على التطبير والضرب بالزنجيل؛ ولكن هذا لا يعني عدم القبول بتلك الأعمال، فعدم العمل بها أعمّ من القبول أو الرفض.
ثمّ إنّه لا بدّ من معرفة أنّ سرّ تعريض المحبّين للإمام الحسين(عليه السلام) أنفسهم لأصناف الآلام، من الإدماء واللطم والضرب هو: القول بلسان الفعل: أنّهم على استعداد لتحمّل الآلام من أجل الإمام الحسين(عليه السلام) والسير على نهجه، وما الإدماء والضرب وغيرها إلاّ نموذج من تلك النماذج، وإلاّ فهم على استعداد لأكثر من ذلك..
وشاهدنا في العراق أيام النظام البائد كيف أنّ محبّي الحسين(عليه السلام) سطّروا أروع لوحات الصبر من صمودهم تحت وطأة التعذيب بالكهرباء، وصمودهم تحت سياط الجلادين، دون أن يكون ذلك رادع لهم عن محبّتهم للإمام الحسين(عليه السلام) ونهجه، فالظالمون ابتدعوا طرقاً جديدة لإخافة الحسينيين، لكن الحسينيون سطّروا وسيسطّرون لوحات من الصبر ترهب الظالمين، وتظهر لهم عدم خوفهم من أشدّ أنواع العذاب.
وأمّا ما تطرحه من أفكار من أجل تطوير الشعائر الحسينية، فقد ينظر إليها على أنّها حَرفٌ للشعائر الحسينية عن المسار الذي سارت به من إظهار مظلومية الإمام الحسين(عليه السلام)، والاستعداد للنصرة على يد حفيده الإمام المهدي(عجّل الله فرجه)، الذي سوف يظهر يوم عاشوراء، فإذا كان هناك تطوير للشعائر الحسينية فلا بدّ أن يكون بإبدال آلات الحرب القديمة بأُخرى حديثة وعرضها يوم عاشوراء؛ استعداداً لظهور صاحب العصر والزمان(عجّل الله فرجه) الذي سيجابه الأعداء بالوسائل الحديثة.
وأمّا وجود أعمال أُخرى، مثل: الخيرات العامّة، كما ذكرت أنت بعض الأمثلة فهي تصبّ في صالح الجماعة المؤمنة، فلا نمنع حصول من فعلها على الثواب الجزيل، الذي ربّما يكون أكثر من ثواب بعض أعمال العزاء والتشبيه، ولكن يجب أن تلاحظ أنّ كلّ ذلك مربوط بالنيّة ومدى إخلاصها بعلاقة طردية.

 لقد ذكر ضرب زينب لرأسها بمقدّم المحمل، كما ذكر صاحب (بحارالأنوار)(1).
و لقد ورد في (الأمالي) عن الإمام الرضا(عليه السلام): (إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام)(2).                و ورد في كتاب (المزار) للمشهدي زيارة خرجت من الناحية المقدّسة(عليه السلام)، قال في فقراتها: (ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً...)(3).

(1) بحار الأنوار 45: 115.
(2) أمالي الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199).
(3) المزار: 501 الباب (18).

لقد قمنا بتلخيص هذا البحث بالاعتماد على الابحاث و الاسئلة العقائدية في مركز الابحاث العقائدية
عربي باي