التقليد (لغة) بمعنى جعل الشخص أو غيره ذا قلادة، فيقال: تقلّد السيف، أي ألقى حمّالته في عنقه، وفي حديث الخلافة: عن الرضا(عليه السلام): (فقلّدها صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام)(1)، أي جعلها قلادة له.
ومعنى أنّ العامّي قلّد المجتهد، أنّه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه، وأتى بها استناداً إلى فتواه.
وقد أشارت جملة من الروايات إلى هذا المعنى، نذكر منها: معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: ((كان أبو عبد الله(عليه السلام) قاعداً في حلقة ربيعة الرأي، فجاء الأعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه، فلمّا سكت، قال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئاً، فأعاد المسألة عليه، فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): (هو في عنقه قال أو لم يقل، وكلّ مفتٍ ضامن) ))(2). وهناك أخبار مستفيضة يمكنك الرجوع إليها في كتاب (وسائل الشيعة)(3).
وعلى هذا نرى بأنّ اللغة والاصطلاح والعرف متطابقة على أنّ التقليد هو: الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل؛ فالتقليد إمّا أن يكون بمعنى: الأخذ والالتزام، أو يكون معناه: العمل استناداً إلى رأي الغير، وهو العالم الجامع للشرائط.
والضرورة تقتضي التقليد؛ وذلك لأنّ كلّ مكلّف يعلم إجمالاً بثبوت أحكام الزامية فرضها الشارع المقدّس عليه، من وجوب أو حرمة، والإتيان بالواجب وترك المحرّم له طريقان: إمّا أنّه يعرف الواجب فيأتي به، والمحرّم فيتركه، وإمّا أنّه غير عالم بهما فيجب الرجوع إلى العالم بهما، وهو المتخصّص في عمله؛ لإبراء ذمّته أمام مولاه، وهذا هو معنى التقليد الذي هو: اعتماد غير المتخصّص على المتخصّصين والرجوع إليهم.
ومن هنا يظهر أنّ التقليد من الأمور الارتكازية؛ إذ رجوع كلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع، وكلّ من لا يعرف أحكام الدين يعتمد في معرفته لهذه الأحكام على المجتهد المتخصّص، فيضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلّده، وهذا غير محدّد بزمان بل هو جارٍ في كلّ الأزمنة.
والضرورة تقتضي التقليد؛ وذلك لأنّ كلّ مكلّف يعلم إجمالاً بثبوت أحكام الزامية فرضها الشارع المقدّس عليه، من وجوب أو حرمة، والإتيان بالواجب وترك المحرّم له طريقان: إمّا أنّه يعرف الواجب فيأتي به، والمحرّم فيتركه، وإمّا أنّه غير عالم بهما فيجب الرجوع إلى العالم بهما، وهو المتخصّص في عمله؛ لإبراء ذمّته أمام مولاه، وهذا هو معنى التقليد الذي هو: اعتماد غير المتخصّص على المتخصّصين والرجوع إليهم.
ومن هنا يظهر أنّ التقليد من الأمور الارتكازية؛ إذ رجوع كلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع، وكلّ من لا يعرف أحكام الدين يعتمد في معرفته لهذه الأحكام على المجتهد المتخصّص، فيضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلّده، وهذا غير محدّد بزمان بل هو جارٍ في كلّ الأزمنة.
والتقليد من فطرة العقول، والشارع قد أمضاه بعدم الردع عنه، فرجوع الجاهل إلى العالم في زمان الأئمّة(عليهم السلام) كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة الأئمّة(عليهم السلام)، وأمّا في زماننا فهو رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والأمارات.
(ويكون عمله تنزيلياً تعبّدياً لا وجدانياً، فهو الطريق الأكثر عملية، والأقرب لفعل الناس؛ لاعتيادهم في كلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة، وهو واجب كلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد أو الاحتياط).
(ويكون عمله تنزيلياً تعبّدياً لا وجدانياً، فهو الطريق الأكثر عملية، والأقرب لفعل الناس؛ لاعتيادهم في كلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة، وهو واجب كلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد أو الاحتياط).
(1) الكافي 1: 199 حديث (1) باب (نادر جامع في فضل الإمام وصفاته).
(2) الكافي 7: 409 حديث (1) كتاب (القضاء والأحكام) باب (أنّ المفتي ضامن).
(3) وسائل الشيعة 27: 220، الكافي 7: 409 كتاب (القضاء) باب (وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة حديثم و غيرهم ).
أنّ أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) هم أتباع الدليل، يميلون معه حيث مال، ولا يحيدون عن الدليل الشرعي أو العقلي الذي أرشد إليه الشرع في عباداتهم أو معاملاتهم أو عقائدهم، بل وفي أخلاقهم وآدابهم...
وبالنسبة للتقليد في زمن الغيبة، فقد وردت النصوص من أئمّة العترة الطاهرة(عليهم السلام) بأن يرجع الناس إلى رواة أحاديثهم من الفقهاء العدول؛ قال الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): (فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه)(1).
وورد في التوقيع الشريف عن الإمام صاحب الأمر(عليه السلام): (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم)(2).
وبما أنّ هذه الأحاديث الشريفة قد حدّدت الصفات والخطوط العريضة لما يجب أن يكون عليه مرجع التقليد، ولم تلزم بالاتّفاق على مرجع واحد في كلّ عصر، فالمجال يبقى مفتوحاً لمن يجد في نفسه الكفاءة والأهلية لهذا الموقع أن يرشّح نفسه، أو يرشّحه أهل العلم والأهلية لهذا الموقع، وهذا فضاء رحب يجعل فقهاء الطائفة في زمن الغيبة في مستوى المسؤولية والتنافس العلمي من أجل الوصول إلى أعلى المراتب العلمية..
وكذلك يعطي المجال للطائفة أن لا تكون أسيرة الأزمات السياسية والإقليمية التي تحدث في البلدان الإسلامية والتي تمنع المقلّدين من مراجعة علمائهم في بعض الظروف، مع أنّ الاتّفاق على مرجع أعلى للطائفة قد توفّر في بعض الأزمان، عندما تهيأت الظروف الموضوعية للانقياد إليه من جميع المؤمنين في العالم.
وببيان آخر: إنّ الأدلّة الواردة في المقام لم تكن إلزامية في وجوب العودة إلى مرجع واحد في كلّ زمان، وإنّما بيّنت القواعد الأساسية والشروط الواجب توفّرها في مرجع التقليد فقط، وبقي هذا المجال مفتوحاً، ولا يمكن لأحد أن يلزم الطائفة بوجوب العودة إلى شخص بعينه، وإنّما كان المعوّل عليه هو توفّر الشروط في شخص المتصدّي لهذا المنصب، وهذا الأمر قد يتوفّر في اثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك في كلّ زمان، وقد يحصل الاتّفاق على مرجع واحد وقد لا يحصل.
والحاصل: أنّه لا يوجد دليل شرعي على وجوب توحيد شخص المرجع، وقد يتصدّى فقيهان أو ثلاثة لمنصب المرجعية يرى فيهم مقلّدوهم أنّ كلّ واحد منهم هو المؤهّل دون غيره، ولا إلزام على أيّ مكلّف في اتّباع ما لا يراه الأعلم بنظره. وفي المسألة فوائد ومصالح ذكرنا جانباً منها في البيان المتقدّم.
ثمّ لا بدّ من ملاحظة أنّ صفات، مثل العدالة والأعلمية، تدرك بالحدس القريب من الحسّ لا بالحسّ، وبالتالي يحصل الاختلاف بين العقلاء في ضبطها ودرجة التفاضل بينها، كما في كلّ الأشياء المدرَكة بالحدس، فيكون من الطبيعي اختلاف أهل الخبرة بالأعلمية في تفضيلهم بين المراجع؛ إذ الحدس لا ينضبط عند الكلّ، خاصّة في المراتب المتقاربة، وهو ما يحصل غالباً في المراتب بين الفقهاء المتصدّين.
ودمتم في رعاية الله
وورد في التوقيع الشريف عن الإمام صاحب الأمر(عليه السلام): (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم)(2).
وكذلك يعطي المجال للطائفة أن لا تكون أسيرة الأزمات السياسية والإقليمية التي تحدث في البلدان الإسلامية والتي تمنع المقلّدين من مراجعة علمائهم في بعض الظروف، مع أنّ الاتّفاق على مرجع أعلى للطائفة قد توفّر في بعض الأزمان، عندما تهيأت الظروف الموضوعية للانقياد إليه من جميع المؤمنين في العالم.
ثمّ لا بدّ من ملاحظة أنّ صفات، مثل العدالة والأعلمية، تدرك بالحدس القريب من الحسّ لا بالحسّ، وبالتالي يحصل الاختلاف بين العقلاء في ضبطها ودرجة التفاضل بينها، كما في كلّ الأشياء المدرَكة بالحدس، فيكون من الطبيعي اختلاف أهل الخبرة بالأعلمية في تفضيلهم بين المراجع؛ إذ الحدس لا ينضبط عند الكلّ، خاصّة في المراتب المتقاربة، وهو ما يحصل غالباً في المراتب بين الفقهاء المتصدّين.
ودمتم في رعاية الله
0 التعليقات :
إرسال تعليق