سلسلة : و اشرقت الارض بنور ربها
البحث : ملخص الدليل القرآني 1
تحقيق : صفاء البدري
ان الدلالات القرآنية التي يمكننا استخلاصها
من آيات القرآن الكريم في ما يخص فكرة و مشروع المصلح العالمي كثيرة , و سبق توضيح
جزء منها . و يتحمّل هذا البحث مسؤولية شرح و تفصيل أهمية و علة دراسة الدلالات
القرآنية و كذلك تلخيص مشروع وراثة الأرض الذي تبناه القرآن الكريم
"
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون " الانبياء : 105 ,
و كما بينّا
مسبقاً ان هذا المشروع الألهي ليس مشروع حديث على طاولة الحوار البشري , فقد رسّخ
الله عز وجل في اذهان العباد و في جميع الكتب السماوية مشروعه الالهي و بشّر به
كلُّ الانبياءِ و الرسلِ , و لكثير من التسهيل و التلخيص سيحتوي البحث قسمين :
اولاً : الوعد
الألهي
ثانياً :
أهمية دراسة الدلالات القرآنية ( هيمنة القرآن )
الوعد الالهي :
وعد الله عز وجل انبياءه عليهم الصلاة والسلام و اشترط الأهلية لتحقيق
الميثاق في ذلك العهد و سنبحث في وجود ذلك الوعد و موجوداته و آثاره على الشخصية
الانسانية .
ان وعد الله عز وجل في اقامة دولة العدل
الالهي في الأرض يجب الاتفاق على انه من الركائز المهمة في قيام مفهوم الدين و
كذلك في قيام الوجود البشري , فان تأثير انتظار تحقيق العدالة و رفع المظلومية كان
عظيما في تهيئة النفس البشرية لعدم تقبل فكرة القنوط و اليأس كذلك تربيتها على
تنمية فكرة الدولة العادلة و الحكم الالهي في الارض .
وان وجود الوعد الالهي من اهم ما يمكننا البحث عنه في القرآن الكريم موافقة لموضوع
البحث . فهل للوعد الألهي وجود في القرآن الكريم ؟
ان الوعد الالهي هو من سنن الله عز وجل في
الارض , و يمكن تعريف السنن بأنها ( تلك القوانين التي تجري على وفقها المقادير
فلا تقبل التخلّف و لا تتعرض للتبديل )
" سنة الله في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلاً " (
الاحزاب 62 ) . معنى ذلك ان الله عز وجل سنّ سننه و شرع قوانينه الكونية في الارض
بحيث لا يكون لها تبديلا و ليس لاحد ان يحول دون وقوعها , فكما هي حاكمة على
القرون التي مضت فهي ايضاً حاكمة و مهيمنة على مستقبل و مصير الأمة .
ان اهمية فهم السنن الألهية يكمن بارتباط الوعد الألهي بتلك السنن من ناحيتين ,
الناحية الولى كونه من سنن الله عز وجل و الناحية الأخرى انه كان حلم و أمل
الانبياء من كل الأمم الماضية التي تحققت فيها سنن الله عز و جل , و لو تعلق الأمر
بالشخصية الموعودة فنقول لأرتباط تلك الشخصية ( شخصية الأمام المهدي عجل الله فرجه
) بضرورية وجودها و احداثها لتحقيق سنن الله عز وجل .
و لسنة الله
عز وجل مجموعة من الخصائص لخصتها الباحثة نور مهدي كاظم الساعدي في بحث لها بعنوان
" وراثة الأرض في القرآن الكريم و الكتب السماوية " سنة 1433 هـ بالتالي :
اولاً : الاطراد
و المراد منه
ان تلك السنن ليست عشوائية و حدوثها ليس محض الصدفة و انما وفق مقادير حددها قديم
الوجود و هو الله عز وجل , و هذا يثبت
استمراريتها و ثباتها . و ملخص ذلك انه ليس هناك مانع يحول دون استمراريتها على
الاجيال متعاقبة , حتى يعلم الانسان مآل الامور و يتعض بالامم التي سبقت عصره .
ثانياً :
العموم و الشمول
و معنى ذلك ان
تلك السنن حاكمة على جميع الافراد و قائمة بشمولية لا تستثني قوم و لا عصر و لا
أمة من الامم .
ثالثاً :
حتمية الوقوع و النفاذ
" و اذا
قضى امراً فانما يقول له كن فيكون " ( آل عمران : 47 ) و هذه الخاصية مبنية على
سابقاتها و معناها ان قضاء الله و أمره قائم بين خلقه لا محال و يشترط لقيامه فيهم
استمرارية السنة و ثبوتها و كذلك شموليتها . و المسألة عقلية فلما كان لا احد
يستطيع منع حدوثها الا القديم الذي له التصرف ( القديم : هو الذي لا ينطبق عليه
العدم في اي زمن من الازمنة و هو موجد المحدثات ) فانها لابد ان تكون شاملة و لما
كانت شاملة عامة لا بد ان تكون مستمرة دائمة .
- الوعد
الالهي في الكتب السماوية ؟
على الرغم من ان الكتب السماوية قد تم تحريفها و لكن لابد من ان هناك آثار من كلام
البارئ عز وجل فيها , و مما يدعم قولنا هو محاججة القرآن الكريم لأهل الكتاب
بكتبهم , و مقارنة التشريع القرآني بشريعتهم و يبدو من ذلك ان في تلك الكتب ما هو
من كلام الله عز وجل . و كذلك يرى بعض العلماء ان للكتب السماوية طهارة و يجب
اخذها من يد الكافر لما تحتويه من اسماء الله و كذلك من التشريع - كما يرى السيد
الخوئي ( قده ) – و يمكننا الاستفادة من ما وجدنا في تلك الكتب من كلام المراد انه
كلام البارئ عز وجل في اثبات وجود الوعد الالهي في الكتب السماوية .
في سفر
التكوين من العهد القديم 15 : 18 ( في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقاُ قائلاً
: لنسلك أعطي هذه الارض )
في سفر اشعياء من العهد القديم 60:21 ( شعبك كلهم ابرار الى الابد يرثون الأرض )
سفر المزامير
من العهد القديم 37 : 29 ( الصدّيقون يرثون الأرض و يسكنونها الى الأبد )
- الوعد
الالهي في القرآن الكريم ؟
ان الوعد
الالهي في القرآن الكريم يقرّره و يحدده الله عز و جل و يبين حيثياته لعباده و لو
دققنا جيداً في سنة الله عز و جل المتمثلة بالوعد الالهي في استخلاف الارض ( و لقد
كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون ) ( الانبياء : 105 )
نجد انها سنة قائمة ماضية بين الافراد و الامم , ومما يؤكد ذلك قوله تعالى "
وعد الله الذين امنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين
من قبلهم " ( النور :55 ) و استخلاف الامم الماضية هنا ( من قبلهم ) فيه
اقوال :
اولا : يعني
بني اسرائيل ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا
فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه
وما كانوا يعرشون ) الاعراف : 137
ثانياً :
خلفاء الله من انبيائه و أوليائه ( و اذا
قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) ( البقرة :30 )
ثالثا : يعني
زمن داوود و سليمان عليهما السلام
رابعاً :
الذين من قبلهم من الامم الماضية من اولي الشوكة و القوة و هو ارجح الاقوال و هذا
الاستخلاف قائم بالمجتمع الصالح من دون ان يختص به اشخاص منهم ..